القلب الذهبى
2010/5/4, 10:49 AM
صفحة من كتاب الأغانى !!
جاء من أقصى المدينة يسعى ، ملبياً دعوة كريمة لإحياء حفل زفاف ،
لابن أحد أثرياء الانفتاح أو الانفشاخ الاقتصادى والخصخصة ،
بعدما انفتح الاقتصاد فى بلادنا من كل الجهات ، وصار مثل بيت الدعارة يؤْتى من كل باب ! .
حتى إذا وصل ، هبط من سيارته ، مصطنعاً حياء عذراء زانها الخجل ،
تعلقت به العيون ، واشرأبّت الأعناق ، ترْقُب ذلك الذى أرسلته العناية ،
وأعدته يد القدرة ليجدد للأغنية العربية شبابها ، على رأس المئة الخامسة عشرة ،
ويدفع عنها كيد الحاقدين ، الذين أرادوا بها السوء فوقف المحروس لهم بالمرصاد !
وما إن استقر به المقام ، على خشبة المسرح ، حتى توسّط فرقته فى جلال ناعم ،
يميل بقدّ رشيق ، ويخطر بخصر نحيل ، وطرف كحيل ،
يوزع النظرات فيبعث الرغبات ، بسمته بلسم ، ولمسته شفاء من كل داء ،
حتى الهرم وشلل الأطفال !
يلبس بنطلوناً بلغ من الضيق حدّاً يجعلك تسأل ، متى لبسه ؟ وكيف سيخلعه ؟!
وقميصاً امتلأت صفحته بالورود والأزهار ، كأنما قصّه من شجرة ،
زاد اهتمام الربيع بها ، تحيط برقبته سلسلة تقفز مع قفزاته ،
فى منظر يجعلك تعتنق ( نظرية داروين ) حول أصل الإنسان ، ولم لا ؟
أليس هناك القرد أبو سلسلة ؟ فليكن هناك المطرب أبو سلسلة ،
ومفيش قرد أحسن من قرد .
أما عن وجهه فحدّث ولا حرج عليك - لقد صنعت به الماشطة ،
ما لم تصنعه بزبيدة يوم زفافها على الرشيد ، وما لم تصنعه ست الحُسْن ،
استعداداً للقاء الأول بالشاطر حسن !
الغريب فى الأمر أنه كانت له لحية ! آه والله - لحية أبدع الحلاّق فى انتهاك حرمتها ،
فلم يبْقَ منها غير خط رفيع يذكّرك ، أن المحروس كان رجلا يوما ما .
وفجأة انطلق الصفير ، وزاد الصراخ ، وزغردت السيدات ، وتشنّجت البنات ،
وغابت بعض المراهقات عن الوعى .
حتى إذا حانت ساعة الصِفْر ، وقف المذيع المحلّى ،
يسمونه الآن شاويش مسرح ،وقف ليقدم المطرب المعجزة ،
فى لغة حاول أن يجعلها عربية ، فجاءت عربية يجرها حماران - هو والفرقة -
أما المطرب المحبوب ، فقد لعب دور العربجى باقتدار !
عجبتُ وزاد عجبي ، حين بدأ ليلته البائسة ، بالتغنّي بأسماء الله الحسنى ،
وأنا أقسم أنه قد أفقد هذه الأسماء حسنها ، وصمت الجمْعُ احتراماً لما يقال من كلام شريف ،
يصدر عن لسان ضاع شرفه ، وسط الملاهى والحانات !
حتى إذا انتهى المطرب الفلتة من غناء الأسماء دخل فى الأفعال ،
أشار بيده إلى أعضاء الفرقة ، إشارة آمرة لا تتناسب ، ومظهره الأنثوى الرقيق ،
واندلعت إشارة البدء ، وشرارة الحفل ، وانبعثت موسيقا لاتنتمى إلى أى مقام ،
بل إنها قلة المقام بعينها ، وانحدرت الكلمات من فمه ، لتصطدم بالآذان ،
التى باتت تعشق كل تافه ، وأدمنت سماع كل تعيس .
بمرور الوقت ، بدأت الأيدى تعزف على الرُكَب ، ثم على المقاعد ،
وراح الجميع فى إغفاءةٍ ، من الّلاوعي الخالد ،
حتى إذا قال المطرب المعجزة - ويالّلا إييييييييييه - اندفعت الجموع إلى خشبة المسرح ،
اندفاعةً تذكرك بالألمان وهم يحطمون سور برلين ،
واهتزت الخشبة متجاوبة مع الخصور والأرداف ، من كل الأحجام والأصناف ،
بدءاً بالحجم الصغير لفردٍ واحد وحتى الأحجام العائلية ، وأحاطوا بالفتى المعجزة ،
إحاطة السوار بالمعصم ، الكل يغنى ، الكل يرقص ، وهو فى الوسط ،
مركز الدائرة ومحور عجلة العمل .
قفزاته وموسيقاه ، مع تلك السلسلة التي فى رقبته ، وكلمات الأغنية العجيبة ،
تنقلك إلى مشهد فى الغابة الوحشية ، حيث الساحر الإفريقى يتوسط أبناء قبيلته ،
ويستنزل المطر ، أو يغني ليطرد الأرواح الشرِّيرة .
وهجم الليل ، وبدأت العيون تبحث عن فرائسها ، وسط الجو المشحون بالعفن ،
ورائحة الشرف المقتول ، وارتفعت حرارة الحفل ،
حتى إذا خشى البعض ممن لهم بقية من عقول ، حدوثَ ما لا تُحْمد عاقبته ،
طلبوا من الفنان التوقف ، وتوقف فنان العصر وفريد الدهر ووحيد القرن -
على مضض - ونزل عن الخشبة - ودعوت الله مخلصاً له الدين ،
ألاّ يصعد البعيد على خشبة أخرى ، قبل خشبة الغُسل بصحبة الحانوتى إلى مثواه الأخير .
فى صباح اليوم التالى ، قرأت خبراً بارزاً ، فحواه أنّ المطرب الفذّ ،
وبعد نجاحه فى بطولة فيلم ( فاجعة فى البلكونة ) ،
وحصوله على جائزة أحسن ممثل فى فيلم ( فاجعة فى المطبخ ) ،
يستعد لبطولة فيلمه الجديد ( فاجعة فى بير السلّم ) وتتوالى الفواجع .
فجعنا الله فيه - قولوا آمين .
مما راق لى
جاء من أقصى المدينة يسعى ، ملبياً دعوة كريمة لإحياء حفل زفاف ،
لابن أحد أثرياء الانفتاح أو الانفشاخ الاقتصادى والخصخصة ،
بعدما انفتح الاقتصاد فى بلادنا من كل الجهات ، وصار مثل بيت الدعارة يؤْتى من كل باب ! .
حتى إذا وصل ، هبط من سيارته ، مصطنعاً حياء عذراء زانها الخجل ،
تعلقت به العيون ، واشرأبّت الأعناق ، ترْقُب ذلك الذى أرسلته العناية ،
وأعدته يد القدرة ليجدد للأغنية العربية شبابها ، على رأس المئة الخامسة عشرة ،
ويدفع عنها كيد الحاقدين ، الذين أرادوا بها السوء فوقف المحروس لهم بالمرصاد !
وما إن استقر به المقام ، على خشبة المسرح ، حتى توسّط فرقته فى جلال ناعم ،
يميل بقدّ رشيق ، ويخطر بخصر نحيل ، وطرف كحيل ،
يوزع النظرات فيبعث الرغبات ، بسمته بلسم ، ولمسته شفاء من كل داء ،
حتى الهرم وشلل الأطفال !
يلبس بنطلوناً بلغ من الضيق حدّاً يجعلك تسأل ، متى لبسه ؟ وكيف سيخلعه ؟!
وقميصاً امتلأت صفحته بالورود والأزهار ، كأنما قصّه من شجرة ،
زاد اهتمام الربيع بها ، تحيط برقبته سلسلة تقفز مع قفزاته ،
فى منظر يجعلك تعتنق ( نظرية داروين ) حول أصل الإنسان ، ولم لا ؟
أليس هناك القرد أبو سلسلة ؟ فليكن هناك المطرب أبو سلسلة ،
ومفيش قرد أحسن من قرد .
أما عن وجهه فحدّث ولا حرج عليك - لقد صنعت به الماشطة ،
ما لم تصنعه بزبيدة يوم زفافها على الرشيد ، وما لم تصنعه ست الحُسْن ،
استعداداً للقاء الأول بالشاطر حسن !
الغريب فى الأمر أنه كانت له لحية ! آه والله - لحية أبدع الحلاّق فى انتهاك حرمتها ،
فلم يبْقَ منها غير خط رفيع يذكّرك ، أن المحروس كان رجلا يوما ما .
وفجأة انطلق الصفير ، وزاد الصراخ ، وزغردت السيدات ، وتشنّجت البنات ،
وغابت بعض المراهقات عن الوعى .
حتى إذا حانت ساعة الصِفْر ، وقف المذيع المحلّى ،
يسمونه الآن شاويش مسرح ،وقف ليقدم المطرب المعجزة ،
فى لغة حاول أن يجعلها عربية ، فجاءت عربية يجرها حماران - هو والفرقة -
أما المطرب المحبوب ، فقد لعب دور العربجى باقتدار !
عجبتُ وزاد عجبي ، حين بدأ ليلته البائسة ، بالتغنّي بأسماء الله الحسنى ،
وأنا أقسم أنه قد أفقد هذه الأسماء حسنها ، وصمت الجمْعُ احتراماً لما يقال من كلام شريف ،
يصدر عن لسان ضاع شرفه ، وسط الملاهى والحانات !
حتى إذا انتهى المطرب الفلتة من غناء الأسماء دخل فى الأفعال ،
أشار بيده إلى أعضاء الفرقة ، إشارة آمرة لا تتناسب ، ومظهره الأنثوى الرقيق ،
واندلعت إشارة البدء ، وشرارة الحفل ، وانبعثت موسيقا لاتنتمى إلى أى مقام ،
بل إنها قلة المقام بعينها ، وانحدرت الكلمات من فمه ، لتصطدم بالآذان ،
التى باتت تعشق كل تافه ، وأدمنت سماع كل تعيس .
بمرور الوقت ، بدأت الأيدى تعزف على الرُكَب ، ثم على المقاعد ،
وراح الجميع فى إغفاءةٍ ، من الّلاوعي الخالد ،
حتى إذا قال المطرب المعجزة - ويالّلا إييييييييييه - اندفعت الجموع إلى خشبة المسرح ،
اندفاعةً تذكرك بالألمان وهم يحطمون سور برلين ،
واهتزت الخشبة متجاوبة مع الخصور والأرداف ، من كل الأحجام والأصناف ،
بدءاً بالحجم الصغير لفردٍ واحد وحتى الأحجام العائلية ، وأحاطوا بالفتى المعجزة ،
إحاطة السوار بالمعصم ، الكل يغنى ، الكل يرقص ، وهو فى الوسط ،
مركز الدائرة ومحور عجلة العمل .
قفزاته وموسيقاه ، مع تلك السلسلة التي فى رقبته ، وكلمات الأغنية العجيبة ،
تنقلك إلى مشهد فى الغابة الوحشية ، حيث الساحر الإفريقى يتوسط أبناء قبيلته ،
ويستنزل المطر ، أو يغني ليطرد الأرواح الشرِّيرة .
وهجم الليل ، وبدأت العيون تبحث عن فرائسها ، وسط الجو المشحون بالعفن ،
ورائحة الشرف المقتول ، وارتفعت حرارة الحفل ،
حتى إذا خشى البعض ممن لهم بقية من عقول ، حدوثَ ما لا تُحْمد عاقبته ،
طلبوا من الفنان التوقف ، وتوقف فنان العصر وفريد الدهر ووحيد القرن -
على مضض - ونزل عن الخشبة - ودعوت الله مخلصاً له الدين ،
ألاّ يصعد البعيد على خشبة أخرى ، قبل خشبة الغُسل بصحبة الحانوتى إلى مثواه الأخير .
فى صباح اليوم التالى ، قرأت خبراً بارزاً ، فحواه أنّ المطرب الفذّ ،
وبعد نجاحه فى بطولة فيلم ( فاجعة فى البلكونة ) ،
وحصوله على جائزة أحسن ممثل فى فيلم ( فاجعة فى المطبخ ) ،
يستعد لبطولة فيلمه الجديد ( فاجعة فى بير السلّم ) وتتوالى الفواجع .
فجعنا الله فيه - قولوا آمين .
مما راق لى