المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كلمات في دبابة أسرائيلية



الشهيد
2006/12/21, 12:36 AM
كلمات في دبابة أسرائيلية

في وسط صحراء قاحلة، في مهب العواصف الترابية الخانقة، تحت شمس مشتعلة، كتلة من المعدن الصلب، واذا غلبك الظن بأن هذا المشهد لا يثير الأمل بوجود الحياة فأنك مخطئ، ففي قلب هذا المعدن الصلب رجلين.

فأما الصحراء فهي صحراء غزة، وأما العواصف فهي عواصف صيف غزة، وأما الشمس فهي شمس غزة، وأما كتلة المعدن الصلب فهي دبابة أميركية، وأما الرجلين فهما عسكريين يهوديين في جيش أسرائيل.

كان الجو محكوما بصمت المقابر، كان الملل قد تسلل لقلوب الرجلين، وانطفأت في عيونهما معاني الأمل والحياة، كان دافيد يعبث بالنيشان الملصق على صدره في لامبالاة، وأما شمعون فكان يراقبه في لا مبالاة كذلك حتى قطع الصمت سوأل شمعون: ماذا يعني هذا النيشان؟
أجاب دافيد: هذا النيشان حزت عليه بعد حرب عناقيد الغضب.
رد شمعون: متى كانت حرب عناقيد الغضب؟
نظر دافيد ألى سقف الدبابة وبدا عليه محاولة التذكر: في عام 1996.
صمت الاثنان للحظة، قبل أن يقول شمعون: ذكرني ما سبب الحرب؟
رد دافيد: ويحك، هل نسيت؟ كانت ضد حزب الله في لبنان.
-نعم، أعلم انها ضد حزب الله، لكن ما الحدث الذي سبب الحرب؟
سكت دافيد للحظة ثم أجاب في تردد:
-هل تعلم، لا أذكر!
ضحك شمعون مما جعل دافيد يضحك أيضا.
وعلا الصمت المكان في ما بعد، عاد دافيد للعبث في نياشينه وعاد شمعون لمراقبته.

سأل دافيد شمعون: هل لديك خطط في نهاية الأسبوع؟
رد شمعون: نعم، علي تصليح سيارة أبي، أريد أن ابدل زيتها وكوابحها.
قال دافيد: ما نوع سيارة أبوك؟
رد شمعون: مرسيدس.
-لم أعلم أن أبوك غني.
- ليس غنيا، أنها سيارة قديمة، كان حلمه أن يقتني سيارة مرسيدس، لقد حقق حلمه.
- ماهو حلمك في الحياة يا شمعون؟
- حلمي في الحياة!
حدق شمعون في بلاهة فيما كان دافيد يراقبه وعلى وجهه ابتسامة صفراء مفرغة من المعنى:
- لا أدري، لكن سيكون أمرا رائعا لو أنني أقتني سيارة مرسيدس جديدة!
هز دافيد رأسه في ايجاب.
- ماذا عنك يادافيد؟
حدق دافيد في تصميم نحو شمعون وقال في قوة:
- لا أريد أن أحترق في دبابة!
صعق شمعون لرد دافيد ورد عليه:
- هل أنت على مايرام؟
- نعم، كل ما قلته أنني لا أريد أن أموت في دبابة.
- ما عهدتك تخاف الموت.
- لا أخاف الموت، لكنني فقط لا أريد أن أموت على يد فلسطيني قذر، هؤلاء الكلاب أتقنوا فن استدراج الدبابات الأسرائيلية إلى الكمائن، لقد نجحوا في تدمير دبابة بشكل كامل، لقد قتلوا كل من فيها.

استمر صمت شمعون مما شجع دافيد على الاستدراج في الحديث:
يا شمعون، لقد احترقوا بشكل كامل، واجهت القيادة احراجا شديدا في مواجهة الأهالي، لا أريد أن يحدث هذا لزوجتي واطفالي.

-أنك تحارب من أجل أسرائيل، ستموت شهيدا يدافع عن الوطن.
-أي أسرائيل؟ أسرائيل شارون أم أسرائيل رابين أم أسرائيل بن غوريون أم أسرائيل موسى*عليه السلام* وداود *عليه السلام*، هل لك أن تشرح لي كيف بدأت هذه الانتفاضة اللعينة؟ ما الذي جعل هذا البرميل شارون يدنس المسجد الأقصى؟ أريد أن أفهم ما كان هدفه؟ ألا يعلم أن هؤلاء المسلمين متعصبون، أنهم يريدون قتالنا من غير سبب، فيأتي هذا الحمار ليثيرهم علينا ويجدد كراهيتهم لنا.
الحل كان موجودا، كان ممكنا، بعد خمسين عاما من الحرب كان السلام ممكنا، لماذا؟
- عرفات رفض الحل.
- عرفات لم يرفض، عرفات هو أفضل شيء حصل لليهود، عرفات غبي لقد كان يوافق على كل شيء، من كان يرفض كان الفلسطينيون، لقد رفضوا المستوطنات وتقسيم القدس والتخلي عن حق العودة، هذا شعب ملعون على ضعفهم أقوياء.
- أذا سمحنا لهم بحق العودة ستتدمر أسرائيل، هناك أكثر من خمس ملايين لاجئ فلسطيني، هل تدرك ماذا سيفعل ادخال خمس ملايين فلسطيني ألى أسرائيل؟

صمت دافيد وهو يحدق في سقف الدبابة يستمع الى اشارات قادمة عبر اللاسلكي عن قافلة مستوطنين تخرج من مستوطنة في غزة.

-هل تدرك ماذا فعلت الانتفاضة؟ لم أر في حياتي الفلسطينيون يقاتلون بشراسة هكذا، لقد كان أبي يقول بأن في كل حروب أسرائيل كان العدو الأشد في الحرب هو الفلسطيني، كنا نمني أنفسنا بأنهم سينقرضون سينتهون كشعب، لكن هذا لم يحصل، هذا الأسلام يمنحهم قوة خارقة، أنهم أشرس أعدائنا، نعم نحن نحطم حياتهم، لكن هل تعتقد بأنهم لا يردون علينا العين بالعين والسن بالسن، حين نفرض عليهم حظر التجول يفرضون علينا نوعا آخر من حظر التجول، هل تدرك الرعب الذي يعتري زوجتي واطفالي حين يركبون الباصات ويذهبون الى المطاعم، هل تدرك أنهم قد قتلوا العديد من القادة في أسرائيل؟ هل تدرك أنهم رغم أوضاعهم المأساوية متكاتفون ويحبون بعضهم البعض أكثر منا نحن اليهود. هل تدرك أن كراهية أسرائيل بلغت القمة في العالم! هل تدرك كم هو خطر علينا ان نخسر عطف العالم علينا؟

-هل تريد أن تستسلم يا دافيد للفلسطينين؟
- لا، استسلم للفلسطينين! تخيل أن تستسلم أسرائيل للفلسطينين، ماذا عساهم يفعلون بنا؟ هذا هو السبب الوحيد الذي يجعلني أؤمن بجيش أسرائيل، الخوف من عاقبة الاستسلام، لقد دمرنا حياتهم واذللناهم ألى أقصى الحدود، مجرد التفكير في أنهم سينتصرون في يوم من الأيام تؤرقني وتطير النوم من عيني، أن أرى شبابهم بكوفياتهم يدخلون القدس وتل أبيب ونحن صاغرون كابوس ينكد علي حياتي.
ربما حارب ابي من أجل القضية اليهودية والصهيونية، أنا أحارب من أجل البقاء، لم أعد أفهم معنى اليهودية والصهيونية، من هم اليهود ومن هم الصهاينة؟ هل نحن نحارب ضد الفلسطينين لأنهم عبدة أصنام، أنهم يؤمنون بالله ويؤمنون بموسى وداود وسليمان ويوسف ويعقوب وأبراهيم (عليهم السلام)، هل نحاربهم لأنهم يهددون وطننا، نحن من سرقنا بلادهم وشردناهم وجعلناهم يعملون في أرضهم أجراء مسخرين.
-ما هو الحل؟
-أن نحارب حتى النهاية، لا يمكننا الهرب نحو أوروبا التي أحرقتنا في الأفران، كل ما لدينا هو هذه الأرض التي فيها نعيش أحرارا، أو نوهم أنفسنا بأننا نعيش أحرارا، كل ما أفهمه هو أن علي أن أحارب حتى النهاية، حتى يظهر المسيح المنقذ.

صمت الأثنان صمت القبور يحدقان في بلاهة نحو سقف الدبابة، وفجأة تنفتح الكوة ويظهر جندي يصرخ: الفلسطينيون يهاجمون قافلة المستوطنين، علينا أن نتحرك.

نهض دافيد وشمعون في قوة، وفي عجل ضغطا الأزرار لتنير الشاشات الكمبيوترية، وما هي ألا لحظات حتى تنطلق كتلة المعدن الصلب في عنفوان عبر كثبان الصحراء، ويخرج دافيد لينظر من الكوة، حين أطل برأسه لسعته حبات الرمل الساخنة المحمولة في أحضان الرياح، وصفعته الشمس بأشعتها الساخنة، للحظات أحس بالعميان، لكن سرعان ما تأقلمت عيناه على نور الشمس، نظر يبحث في حرص عن أي أثر قد يدل على وجود كمين، سرعان ما بدت القافلة متوقفة في منتصف الطريق و تهادى الى مسامعه صوت الرصاص المتبادل بين الفدائيين الفلسطينيين وحرس القافلة اليهود، صرخ دافيد: أوقف الدبابة، أعتقد أنني حددت موقع العدو.
توقفت الدبابة، وحينها صرخ دافيد باحداثيات الموقع، وما هي الا لحظات حتى لفظت الدبابة قذيفتها، واصابت في دقة الموقع الذي حدده دافيد، و توقف اطلاق النار، استنتج دافيد أن الفدائيين قد قتلوا أو أنهم هربوا، استمر دافيد يراقب في صمت الأفق، كان ينتظر أن يرى أي أثر لاطلاق النار من خلية أخرى.
أحس دافيد بالراحة، وتنفس الصعداء قبل أن يرى بطرف عينه حركة من بعيد، فوجه بصره، لم تكن الحركة أكثر من حمامة ترتفرف بأجنحتها نحو السماء، راقب الحمامة وهي ترفرف بأجنحتها ضد العاصفة الرملية في تألق وجمال، للحظة نسي دافيد كل شيء، نسى أنه كاد أن يقتل في كمين أو أنه قد قتل انسانا للتو، حتى اختفت الحمامة في واحة من النخيل، حينها سمع شمعون يناديه بأن ينزل، مد شمعون يده ليغلق الكوة فأذا بصرصور يقف على صفيح الدبابة يحدق في بلاهة باتجاهه، في رد فعل غريزي لوح دافيد بيديه باتجاه الصرصور، لكن الصرصور لم يتحرك واستمر يحدق في بلاهة باتجاه دافيد، مما أثار دافيد وضرب بيده على الصرصور فسحقه فقتله، لكن الصرصور ترك أثره على كف دافيد، مسح دافيد يده على قميصه في عفوية لينظفها، قبل أن يدرك بأنه وسخ نيشانه بسوائل الصرصور، تضايق دافيد من فعلته الغبية وبصق على النيشان لينظفه وبدأ يفرك بأنامله النيشان، كلما زاد فركا كلما زاد النيشان اتساخا كلما زاد دافيد ضيقا، وفيما هو في انشغاله بتنظيف النيشان والتفكير فيما جعله يسحق هذا الصرصور حتى تهادى الى مسامعه صوت صفير حاد، رفع رأسه فإذا هو يرى صاروخا ينطلق من واحة النخيل باتجاهه، في سرعة ودقة، أراد أن يصرخ لكن الصاروخ كان أسرع، أغمض دافيد عينيه، وكان آخر ما أحسه عاصفة من اللهب تلتهم جلده ثم ظلام مطبق.


الشهيد

Ali Younis
2006/12/24, 11:58 AM
مشكووووووووووووووووووووور اخى الغالى على الموضوع الجميل ده

الشهيد
2013/1/2, 9:55 PM
شكرا على مرورك

مريم العلي
2013/1/9, 8:57 PM
كلمات راااائعة
يسلموووووووو