المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الدولة المحايدة



kamel
2011/7/18, 4:21 AM
يتعجب البعض من تأكيدى المتكرر على أن الدولة ككيان يدير شئون المجتمع والمواطنين ويبتغى تحقيق الصالح العام هى دوما دولة محايدة. هؤلاء يرون فى صفة الحيادية تعارضا مع ما أكدته دومًا الدساتير المصرية من أن دين الدولة هو الإسلام. والحقيقة أن صفة الحيادية تعنى بصورة أساسية أن الدولة لا تميز بين مواطنيها على أساس انتماءات دينية أو اجتماعية أو مناطقية و تقف فى سياساتها وممارساتها على مسافة واحدة من جميع المواطنين.

الدولة المحايدة تُشغل بها المناصب العامة والخاصة وفقا لقواعد غير تمييزية كالكفاءة فى حال التعيين أو القبول الشعبى فى حال الانتخابات. ولا يتم احتكار المناصب العامة أو الخاصة من قِبل المنتمين لديانة واحدة أو لخلفيه اجتماعية واحدة و إنما تتيح وتضمن الدولة المحايدة المساواة وتكافؤ الفرص للجميع.

بهذا المعنى لا تتناقض حيادية الدولة مع تأكيد الدساتير المصرية على أن دين الدولة هو الإسلام. فالمقصود هنا هو أن أغلبية المواطنين المصرين تدين بالدين الإسلامى أى أن الإسلام هو دين الأغلبية فى الدولة المصرية. المقصود ايضا هو أن الدولة المصرية لا تُميز ضد المواطنين المنتمين لديانات غير دين الأغلبية، ولا تُهمش دياناتهم و لا شرائعهم السماوية لا رمزيا و لا قانونيا. ففى هذا يكمن جوهر الالتزام الكامل للدولة بالمساواة بين كل المواطنين بغض النظر عن كونهم من الواقعين فى خانة الأغلبية أو الأقلية.

إن دين الدولة هو الإسلام لا يعنى أن المواطنين المسلمين يعاملون معاملة تفضيلية مقارنة بنظائرهم المسيحيين أو أن الدولة فى العطلات الرسمية تحتفى فقط بالأعياد الإسلامية وتتجاهل الأعياد المسيحية لكون الأخيرة هى دين الأقلية فى البلاد. إن دين الدولة هو الإسلام لا يعنى أن الإشارة فى الدستور والقوانين المصرية للأهمية الرمزية والمجتمعية للشرائع السماوية الأخرى غير مقبولة، و هذا هو سبب دعوتى المتكررة للتفكير فى إضافة عبارة «ولغير المسلمين الاحتكام الى شرائعهم السماوية فى معاملاتهم الخاصة» إلى نص المادة الثانية من دستور 1971 حين وضع الدستور المصرى الجديد.

حيادية الدولة هى إذا الضمانة الحقيقية للمساواة الرمزية والقانونية بين جميع المواطنين وللحيلولة دون أن تُحتكر الدولة فى سياساتها وممارساتها من قِبل منتمين لدين واحد. إن فُهمت عبارة الإسلام دين الدولة فى هذا السياق فلا اعتراض بمصرية أو مصرى عليها. أما أن تُفهم هذه العبارة على أنها ترتب للمصريين المسلمين حقوقا رمزيه وقانونية وسياسية أكبر من بقية المواطنين، و هو ما تروج له بعض الجماعات والشخصيات فى الحياة العامة فى مصر، هو أمر يخالف شرط حيادية الدولة ويتناقض معه و يصبح من ثَم مرادفا لبناء مجتمع عنصرى تمييزى يقسم فيه المواطنون إلى مواطنين درجة أولى و مواطنين درجة ثانية.

و هو ما لا أقبله و ما لا أريد لمصر فى خبراتها الطويلة فى العيش المشترك والتسامح أن تنكفئ باتجاهه.